محمد أسد
درس الإسلام بحثاً عن أسباب تخلف المسلمين، فاكتشف أن الإسلام كان في الماضي مصدر قوة المسلمين وتفوقهم، واكتشف أن المسلمين متخلفون اليوم لأنهم تخلفوا عن اللحاق بركب الإسلام.. ذلك هو "ليوبولد فايس"
هو شاب نمساوي يهودي جاء إلى فلسطين كمراسل إخباري، وتجول في المنطقة العربية فتنقل بين بلاد الشام ومصر والحجاز والأفغان والهند وباكستان.. اهتم بأحوال المسلمين، وطفق يتكلم عن أهمية الإسلام بالنسبة لنهضة المسلمين.
كان كثير التساؤل عن سرّ إحجام المسلمين عن الأخذ بالإسلام، رغم شدة حاجتهم إليه – كل هذا وهو ما زال يهودياً – وفي أفغانستان وبينما كان ليوبولد فايس يتكلم عن حاجة الناس إلى الإسلام.. قال له شاب أفغاني: "إنك مسلم ولكنك لا تعلم".. فوجئ ليوبولد بتلك الكلمة التي استقرت في نفسه، واستفزته، وظلت تحرضه على التساؤل عن مكانة هذا الدين من نفسه.. إلى أن أشرق نور الإسلام في قلبه بعد قراءته سورة الكوثر.. كان ذلك في أوروبا عام 1926..
بعد إسلامه صار اسمه "محمد أسد" وأسلمت زوجته وابنها، وتوجهوا جميعاً لأداء فريضة الحج، وهناك توفيت زوجته ودفنت في مكة. ثم أقام في المدينة المنورة 6 سنوات، حتى عام 1933، وتزوج امرأة عربية مسلمة.
في 1933 انتقل إلى الهند، وبالإضافة إلى عمله في الصحافة والكتابة، وتبوأ منصب وزير مفوض كمندوب لباكستان في الأمم المتحدة، ثم استقال وأقام في سويسرا متفرغاً للكتابة، ثم انتقل إلى طنجة المغربية، ثم البرتغال وإسبانيا، إلى أن توفي هناك سنة 1992 عن عمر يناهز 92 عاماً، فدفن في مقبرة المسلمين في غرناطة..
ترك إرثاً ثقافياً يستحق القراءة. أهم كتبه: "الإسلام على مفترق الطرق" " الطريق إلى مكة" أو "الطريق إلى الله" "منهاج الإسلام في الحكم" وترجم معاني القرآن الكريم إلى الانكليزية بالاشتراك مع زوجته الأمريكية "بولا حميدة" .. قال عنه البروفيسور الألماني مراد هوفمان: "محمد أسد هبة أوروبا إلى الإسلام"..
ومن كلماته التي لا تنسى وصفه لمشاعره وهو منطلق من عرفات مع جموع الحجيج، وهو الفرد الذي يعاني عزلة الأوروبي التارك لأمته -اليهودية -.. ليكتشف في الحج وهو بين جموع الحجيج الهادرة بالتوحيد، أنه لم يعد فرداً، فيبكي فرحاً بالحال الجديد، وبأمته الجديدة، يبكي ويعلن أن: "لا.. لست وحيداً .. أنا من هذه الأمة.. كل هؤلاء إخوتي..". وهذا من معاني الحج الرائعة التي لا يشعر بها إلا من عاش تجربته.. رحمه الله .. يصف محمد أسد سعادته تلك فيقول: (أحسست أننا نطير على أجنحة، مغمورين في سعادة وصفاء خالص، وسعادة لا تعرف نهاية ولا حداً.. والرياح تهمي بصيحات من المرح والفرح في أذني: "أبداً، أبداً، تكون غريباً بعد الآن.". أخ عن يميني وآخر عن يساري، لا أعرفهم، إلا أنهم ليسوا غرباء عني، في اندفاعنا العنيف الصاخب كنا جسداً واحداً يمضي إلى هدف واحد. العالم رحب أمامنا، وفي قلوبنا تشتعل الشرارة التي اشتعلت في قلوب صحابة الرسول..) [محمد أسد: الطريق إلى مكة: ص 151] فما أروع مشاعر الانتماء إلى أمة حاضرة شاهدة، ولها جذور ممتدة حتى النبي محمد والنبي إبراهيم عليهما الصلاة والسلام.