أبو العتاهية يعظ أمير المؤمنين..
أبو العتاهية يعظ أمير المؤمنين هارون الرشيد
كان الرّشيد يعجبه غناء الملّاحين في الزّلّالات (نوع من السفن النهرية) إذا ركبها، وكان يتأذّي من فساد كلامهم ولحنهم فقال: قولوا لمن معنا من الشّعراء يعملوا لهؤلاء شعراً يغنّون فيه، فوجّه الرّشيد أبا العتاهية، وهو في الحين صنع لهم زهديّته الّتي أبكت الرّشيد حين سمعها وهي:
خانك الطرفُ الطموحُ أيُّها القلبُ الجَمُوحُ
لدواعي الخيرِ والشَّـــ ــرِ دُنُوٌ ونُزوحُ
هلْ لمطلوبٍ بذنبٍ توبةٌ منه نَصوحُ
كيفَ إصلاحُ قلوبٍ إنَّما هُنَّ قُرُوحُ
أحسنَ الله بِنا أنَّ الخطايا لا تفوحُ
فإذا المستورُ مِنَّا بينَ ثوبَيْه فُضوحُ
كمْ رأينا من عزيزٍ طُوِيَتْ عنه الكُشوحُ
صاحَ منه برحيلٍ صائحُ الدَّهرِ الصَّدوحُ
موتُ بعضِ الناسِ في الأر ضِ على بعضٍ فُتوحُ
سيصيرُ المرءُ يوماً جسداً ما فيه روحُ
بينَ عَيْنَيْ كلِّ حيٍّ عَلَمُ الموتِ يلوحُ
كُلُّنا في غفلةٍ والـ ـموتُ يغدو ويروحُ
لِبَنِي الدّنيا من الدّنـ ـيا غَبُوقٌ وصَبُوحُ
رُحْنَ في الوَشْيِ وأَصْبَحْـ ـنَ عليهِنَّ المُسوحُ
كلُّ نطَّاحٍ من النّا سِ له يومٌ بَطوحُ
نُحْ على نفسِكَ يا مسـ ـكينُ إن كنتَ تنوحُ
لَـتَـمـوتـنَّ وإنْ عُــمْـ ـمِرْتَ ما عُمِّرَ نوحُ