أبو شمس الدّين عيسى بن طلحة بن عمر بن عاشور، ولد سنة 1247هـ في بلدة (ترحم) التّابعة لولاية ديار بكر، وأبوه ينتسب إلى قبيلة (بوطان) من أشهر عشائر الأكراد، وقد كانت والدته امرأة صالحة تدعى عائشة.
نشأته وهجرته إلى الشّام:
مات والداه وهو صغير، وتركاه رابع أربعة من إخوته كان هو أصغرهم، ولمّا قارب العاشرة من عمره رحل في طلب العلم إلى (ديار بكر) فقرأ مدّة هناك وبقي فيها إلى سنة 1264هـ، ثمّ سافر إلى المدينة المنوّرة ثمّ زار مصر واجتمع بكثير من علمائها كشيخ الأزهر الباجوري، وبعدها قصد الشّام فمكث فيها حيناً ثمّ رجع إلى بلاده وأخذ العلم عن مشايخ عدّة.
وبعد انتهاء الحرب العثمانيّة الرّوسيّة رحل الشّيخ بأهله إلى دمشق، وسكن في حي الأكراد في منطقة الصّالحيّة، فاشتغل بالعلم إلى جانب الوعظ والإرشاد مدّة طويلة، وانتفع به خلق كثيرون.
مشايخه:
لم يشتهر الشّيخ عيسى كعالم من العلماء، وإن كان قد تبحّر في كثير من العلوم، ولكنّه اشتهر بأنّه كان مربّياً مؤدِّباً، وقد اجتمع فيه الجانب العلمي والجانب التّربوي والأخلاقي، ولكنّه مال إلى الجانب التّربوي بحكم بيئته وعلماء عصره الذين أخذ منهم، وذلك بتوفيق ربّاني، وتخصّص فطري واجتهاد شخصي، وقد أخذ الطّريقة النّقشبنديّة من مشايخه، ومنهم:
الشّيخ قاسم الهادي، والشّيخ حسن النّوراني، والشّيخ عبد الله البيداري.
تلامذته:
تلقّى عنه كثير من أهل العلم والفضل، ومنهم:
الشّيخ أبو الخير الميداني (وهو زوج ابنته ومن أقرب المقرّبين له)، والشّيخ محمّد أمين الكردي الأيّوبي الشّهير بالزّملكاني، والشّيخ إبراهيم بن أبو الخير الغلاييني، والشّيخ محمّد أمين بن ملا موسى الكرديّ الشّهير بكفتارو، والشّيخ محمّد عطا الكسم مفتي الشّام العام في زمانه، رحمهم الله جميعاً.
صفاته الخَلقية والخُلقية:
كان الشّيخ طويل القامة، واسع العينين، كثّ اللحية، أقنى الأنف، واسع الخطوة، حادّ الذّهن، حاضر الجواب، قويّ الحافظة، شديد المهابة، كلامه مفصّلاً معرباً غالباً، قويّ الحُجّة، شديد التّأثير، إذا تكلّم أطرق مستمعوه كأنّ على رؤوسهم الطّير، حاد المزاج، متواضعاً، كثير البكاء والتذلّل لله تعالى، دائم المراقبة له، قليل الأكل، لا يهاب أحداً في الحقّ، ولا تأخذه في الله لومة لائم، ولا ينتقم لنفسه، مستقيماً كلّ الاستقامة، ويخاف الله تعالى دائماً، ويخشى سوء الخاتمة.
طريقته:
كان الشّيخ يلتزم بالشّرع الحنيف ويلازم السّنّة الشّريفة في كلّ حياته، وكان يقول: "عليكم باتّباع الشّرع الشّريف والسّنّة المطهّرة، ولا تختلفوا بعدي، وكونوا إخواناً متحابّين في الله، فمن زاغ عن الشّرع والسّنة واتّبع هواه فأنا بريء منه وهو بريء منّي، فلا تلوموني ولوموا أنفسكم."
وفاته:
توفّي الشّيخ عيسى الكردي رحمه الله يوم الأربعاء 27/ ربيع الأول/ 1331هـ الموافق 5/ 3/ 1913م ودفن في المقبرة المجاورة للشيخ خالد النّقشبندي رحمه الله.